سورة الأحقاف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {حم} يا محمد، أو: الوحي إلى محمد، {تنزيلُ الكتاب من الله} أي: هذا تنزيل القرآن، وهو من الله {العزيزِ الحكيم} فمَن حفظه، وعرف ما فيه، وعمل بمضمنه كان عزيزراً على الله، حكيماً فيما يبدئ ويعيد. {ما خلقنا السماواتِ والأرض وما بينهما} من المخلوقات {إِلا بالحق} أي: إلا ملتبساً بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية، فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل، أو من أعم الأحوال، أي: ما خلقناهما في حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق، وفيه من الدلالة على وجود الصانع، وصفات كماله، وابتناء أفعاله على حكمة بالغة، ما لا يخفى، {وأجل مُسمىً} تنتهي إليه، وهو يوم القيامة، يوم تُبدل الأرض غير الأرض والسموات، {والذين كفروا عما أُنذروا} به من هول ذلك اليوم، الذي لا بُد لكل مخلوق من الانتهاء إليه، {مُعرِضُون} لا يؤمنون به، ولا يهتمُّون بالاستعداد له، ويجوز أن تكون ما مصدرية، أي: عن إنذارهم ذلك اليوم معرضون.
وحاصل افتتاح السورة: أنّ الوحي الخاص إلى محمد هو منزل من الله العزيز، الذي عَزَّ عن الافتراء عليه، وأعزَّ بالوحي مَن تمسّك به، الحكيم في تنزيله وحيه، مرشداً لعباده لِمَا فيه صلاحهم وهداهم، ومن حكمته: أنّ خلق السموات والأرض دالاًّ بذلك على توحيده، وكماله في أوصافه وتدابيره، المقتضية لترتُّب دار الجزاء على دار العمل، بحيث لا يُسَوِّي بين مبطل ومحق، فأرشد بخلق الأشياء إلى حكمته دلالة، ثم بإنزال الوحي بذلك قالة، ومع وضوح الأمر في دلالتهما أعرض الذين كفروا من غير دليل عقلي ولا نقلي متواتر ولا آحاد، على أنَّ ما اقتضاه الوحي إلى محمد من التوحيد، والجزاء المرتب على الإخلاص له، والصدق في عبودية الله، والدعاء إلى محاسن الأخلاق، مما اجتمعت عليه الرسل قبله، فليس بمدع مِن عنده. اهـ. من الحاشية.
الإشارة: {حم} يا حبيب ممجد، قد مجدناك بإنزال كتابنا، وعززناك برسالتنا، ما خلقنا الكائنات إلا ملتبسة بأسرار الحق، وأهل الغفلة معرضون عن هذا.
قال القشيري: حَمَيْتُ قلوبَ أهل عنايتي، فصرفتُ عنها خواطر التجويز، ورميتها في مشاهد اليقين بنور التحقيق، فيها شواهد برهانهم، أي: برهان العيان- فأضفنا إليها لطائف إحساننا، فكملت مَنالها من عين الوصلة، وغديناهم بنسيم الأنس في ساحات القربة. {العزيز} المعز للمؤمنين بإنزال الكتب، {الحكيم} لكتابه عن التبديل والتحويل. اهـ. وخواطر التجويز هي خواطر الشك في المقدور، يجوز الوقوع وعدمه بسبب ضعف اليقين، فإذا انتفى عن القلب خواطر التجويز، دخله السكون والطمأنينة، وارتاح في ظل برد الرضا والتسليم. والله تعالى أعلم.


يقول الحق جلّ جلاله: {قل} يا محمد، توبيخاً وتبكيتاً لهم: {أرأيتم} أخبروني {ماتَدْعون من دون الله} ما تعبدون من الأصنام من دون الله، {أَرُونِي ماذا خلقوا من الأرض} أيّ شيء خَلقوا في الأرض إن كانوا آلهة؟ {أم لهم شِرْكٌ في السماوات} أي: أم لهم شركة مع الله في خلق السموات، حتى يتوهم أن تكون لهم شائبة استحقاق للعبادة؟ فإنَّ مَن لا مدخل له في شيء من الأشياء، بوجه من الوجوه، بمعزل من ذلك الاستحقاق بأسره، وإن كان من الأحياء العقلاء، فما ظنك بالجماد؟ {ائتُوني بكتابٍ مِن قبل هذا} أي: من قبل القرآن، يعني: أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد، وإبطال الشرك، وما من كتاب أنزل مِن قَبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك، فأتوا بكتاب واحد مُنزل مِن قبله، شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله، {أو أثَارةٍ من عِلم} أو بقيةٍ من علم بقيت عندكم من علوم الأقدمين، شاهدة باستحقاق الأصنام للعبادة، {إِن كنتم صادقين} في أن الله أمركم بعبادة الأوثان، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي، ولا سلطان نقلي، وحيث لم يقم عليها شيء، بل قامت على خلافها أدلةُ العقل والنقل تبين بطلانها.
{ومَن أضلُّ} أي: لا أحد أشد ضلالاً {ممن يدعو مِن دون الله مَن لا يستجيبُ له إِلى يوم القيامة} غاية لنفي الإجابة، {وهم عن دعائهم غافلون} لأنهم جمادات لا يسمعون.
{وإِذا حُشر الناسُ} عند قيام الساعة {كانوا لهم أعداءً} أي: الأصنام لعَبَدَتِهَا، {وكانوا} أي: الأصنام {بعبادتهم كافرين} جاحدين، يقولون: ما دعوناهم إلى عبادتنا، والحاصل: أنهم في الدنيا لا ينفعونهم، وفي الآخرة يتبرؤون منهم، ويكونون عليهم ضِداً، ولَمَّا أسند إليهم ما يُسند إلى العقلاء من الاستجابة والغفلة؛ عبَّر عنهم ب من وهم، ووصفُهم بترك الاستجابة تهكماً بها وبعبدَتِها. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يقال لأهل الغفلة: أرأيتم ما تركنون إليه من الخلق، هل لهم قوة على نفعكم أو ضركم؟ {أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شِرك في السماوات...} الآية. فلا أحد أضل ممن يرجو الضعيف مثله، الذي لا يستجيب له إلى يوم القيامة، وهو غافل عن إجابته في الحال والمآل، وإذا أحبّه على هوى الدنيا صارت يوم القيامة عداوة ومقتاً.


يقول الحق جلّ جلاله: {وإِذا تتلى عليهم آياتُنا بيناتٍ} واضحات، أو: مبنيات، جمع بيِّنة، وهي الحجة والشاهد، {قال الذين كفروا للحق} أي: لأجله وفي شأنه، والمراد بالحق: الآيات المتلوة، وبالذين كفروا: المتلُوّ عليهم، فوضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والمتلُو بالحق، والأصل: قالوا في شأن الآيات، التي هي حق {لمَّا جاءهم} أي: بادهوا الحق بالجحود ساعة أتاهم، وأول ما سمعوه، من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر: {هذا سحر مبين} ظاهر كونه سحر.
{أم يقولون افتراه} إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة- وهي تسميتهم الآيات سحراً، إلى حكاية ما أشنع منها، وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم {افتراه} أي: اختلقه، وأضافه إلى الله كذباً، والضمير للحق، والمراد به الآيات. {قل إِن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً} أي: إن افتريته على سبيل الفرض لعاجلني الله بعقوبة الافتراء، فلا تقدرون على كفه من معاجلتي، ولا تملكون لي شيئاً مِن دفعه، فكيف أفتريه وأتعرّض لعقابه الذي لا مناص منه؟! {هو أعلم بما تُفيضون فيه} من القدح في وحي الله تعالى والطعن في آياته، وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى. {كفى به شهيداً بيني وبينكم} حيث يشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالكذب والجحود، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم، {وهو الغفورُ الرحيم} لمَن تاب وآمن، وهو وعد لمَن آمن بالمغفرة والرحمة، وترغيب في الإسلام.
الإشارة: رمي أهل الخصوصية بالسحر عادةٌ مستمرة، وسُنَّة ماضية، ولقد سمعنا هذا فينا وفي أشياخنا مراراً، فيقول أهل الخصوصية: إن افترينا على الله كذباً عاجلنا بالعقوبة، {فلا تملكون لنا من الله شيئاً...} الآية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5